فصل: تفسير الآية رقم (56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (56):

{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)}
{ثُمَّ بعثناكم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} بسبب الصاعقة، وكان ذلك بدعاء موسى عليه السلام ومناشدته ربه بعد أن أفاق، ففي بعض الآثار أنهم لما ماتوا لم يزل موسى يناشد ربه في إحيائهم ويقول: يا رب إن بني إسرائيل يقولون قتلت خيارنا حتى أحياهم الله تعالى جميعًا رجلًا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحييون، والموت هنا ظاهر في مفارقة الروح الجسد، وقيد البعث به لأنه قد يكون عن نوم كما هو في شأن أصحاب الكهف، وقد يكون عنى إرسال الشخص وهو في القرآن كثير ومن الناس من قال: كان هذا الموت غشيانًا وهمودًا لا موتًا حقيقة كما في قوله تعالى: {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ يّتٍ} [إبراهيم: 17] ومنهم من حمل الموت على الجهل مجازًا كما في قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه} [الأنعام: 122]. وقد شاع ذلك نثرًا ونظمًا، ومنه قوله:
أخو العلم حي خالد بعد موته ** وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ** يظن من الأحياء وهو عديم

ومعنى البعث على هذا التعليم أي ثم علمناكم بعد جهلكم.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي نعمة الله تعالى عليكم بالإحياء بعد الموت أو نعمته سبحانه بعدما كفرتموها إذ رأيتم بأس الله تعالى في رميكم بالصاعقة وإذاقتكم الموت وتكليف من أعيد بعد الموت مما ذهب إليه جماعة لئلا يخلو بالغ عاقل من تعبد في هذه الدار بعد بعثة المرسلين، ومن جعل البعث بعد الموت مجازًا عن التعليم بعد الجهل جعل متعلق الشكر ذلك، وفي بعض الآثار أنه لما أحياهم الله تعالى سألوا أن يبعثهم أنبياء ففعل، فمتعلق الشكر حينئذ على ما قيل: هذا البعث وهو بعيد، وأبعد منه جعل متعلقه إنزال التوراة التي فيها ذكر توبته عليهم وتفصيل شرائعهم بعد أن لم يكن لهم شرائع.
وقد استدل المعتزلة وطوائف من المبتدعة بهذه الآية على استحالة رؤية الباري سبحانه وتعالى لأنها لو كانت ممكنة لما أخذتهم الصاعقة بطلبها، والجواب أن أخذ الصاعقة لهم ليس لمجرد الطلب ولكن لما انضم إليه من التعنت وفرط العناد كما يدل عليه مساق الكلام حيث علقوا الإيمان بها، ويجوز أيضًا أن يكون ذلك الأخذ لكفرهم بإعطاء الله تعالى التوراة لموسى عليه السلام وكلامه إياه أو نبوته لا لطلبهم، وقد يقال: إنهم لما لم يكونوا متأهلين لرؤية الحق في هذه النشأة كان طلبهم لها ظلمًا فعوقبوا بما عوقبوا، وليس في ذلك دليل على امتناعها مطلقًا في الدنيا والآخرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذه المسألة بوجه لا غبار عليه.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} عطف على {بعثناكم} [البقرة: 65] وقيل: على {قُلْتُمْ} [البقرة: 55] والأول أظهر للقرب والاشتراك في المسند إليه مع التناسب في المسندين في كون كل منهما نعمة بخلاف {قُلْتُمْ} فإنه تمهيد لها، وإفادته تأخير التظليل والإنزال عن واقعة طلبهم الرؤية، وعلى التقديرين لابد لترك كلمة {إِذْ} [البقرة: 55] هاهنا من نكتة، ولعلها الاكتفاء بالدلالة العقلية على كون كل منهما نعمة مستقلة مع التحرز عن تكرارها في {ظللنا} و{وَقَدْ أَنزَلْنَا} والغمام اسم جنس كحامة وحمام وهو السحاب، وقيل: ما ابيض منه، وقال مجاهد: هو أبرد من السحاب وأرق، وسمي غمامًا لأنه يغم وجه السماء ويستره ومنه الغم والغمم، وهل كان غمامًا حقيقة أو شيئًا يشبههه وسمي به؟ قولان، والمشهور الأول وهو مفعول {ظللنا} على إسقاط حرف الجر كما تقول: ظللت على فلان بالرداء أو بلا إسقاط، والمعنى جعلنا الغمام علكيم ظلة، والظاهر أن الخطاب لجميعهم فقد روي أنهم لما أمروا بقتال الجبارين وامتنعوا وقالوا: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] ابتلاهم الله تعالى بالتيه بين الشام ومصر أربعين سنة وشكوا حر الشمس فلطف الله تعالى بهم بإظلال الغمام وإنزال المنّ والسلوى وقيل: لما خرجوا من البحر وقعوا بأرض بيضاء عفراء ليس فيها ماء ولا ظل فشكوا الحر فوقوا به، وقيل: الذين ظللوا بالغمام بعض بني إسرائيل وكان الله تعالى قد أجرى العادة فيهم أن من عبد ثلاثين سنة لا يحدث فيها ذنبًا أظلته الغمامة وكان فيهم جماعة يسمون أصحاب غمائم فامتن الله تعالى لكونهم فيهم من له هذه الكرامة الظاهرة والنعمة الباهرة.
{وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} المنّ اسم جنس لا واحد له من لفظه والمشهور أنه الترنجبين وهو شيء يشبه الصمغ حلو مع شيء من الحموضة كان ينزل عليهم كالطل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم إلا يوم السبت وكان كل شخص مأمورًا بأن يأخذ قدر صاع كل يوم أو ما يكفيه يومًا وليلة ولا يدخر إلا يوم الجمعة فإن ادخار حصة السبت كان مباحًا فيه. وعن وهب أنه الخبز الرقاق، وقيل: المراد به جميع ما منّ الله تعالى به عليهم في التيه وجاءهم عفوًا بلا تعب، وإليه ذهب الزجاج ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المنّ الذي منّ الله تعالى به على بني إسرائيل» والسلوى اسم جنس أيضًا واحدها سلواة كما قاله الخليل. وليست الألف فيها للتأنيث وإلا لما أنثت بالهاء في قوله.
كما انتفض السلوات من بلل القطر

وقال: الكسائي: السلوى واحدة وجمعها سلاوي، وعند الأخفش الجمع والواحد بلفظ واحد، وقيل: جمع لا واحد له من لفظه وهو طائر يشبه السماني أو هو السماني بعينها وكانت تأتيهم من جهة السماء بكرة وعشيًا أو متى أحبوا فيختارون منها السمين ويتركون منها الهزيل، وقيل: إن ريح الجنوب تسوقها إليهم فيختارون منها حاجتهم ويذهب الباقي، وفي رواية كانت تنزل عليهم مطبوخة ومشوية وسبحان من يقول للشيء كن فيكون وذكر السدوسي أن السلوى هو العسل بلغة كنانة ويؤيده؛ قول الهذلي:
وقاسمتها بالله جهرًا لأنتم ** ألذ من السلوى إذا ما نشورها

وقول ابن عطية إنه غلط غلط، واشتقاقها من السلوة لأنها لطيبها تسلي عن غيرها وعطفها على بعض وجوه المنّ من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنه.
{كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} أمر إباحة على إرادة القول أي وقلنا أو قائلين، والطيبات المستلذات وذكرها للمنة عليهم أو الحلالات فهو للنهي عن الإدخار، و{مِنْ} للتبعيض، وأبعد من جعلها للجنس أو للبدل، ومثله من زعم أن هذا على حذف مضاف أي من عوض طيبات قائلًا إن الله سبحانه عوضهم عن جميع مآكلهم المستلذة من قبل بالمنّ والسلوى فكانا بدلًا من الطيبات، و{مَا} موصولة والعائد محذوف أي رزقناكموه أو مصدرية والمصدر عنى المفعول، واستنبط بعضهم من الآية أنه لا يكفي وضع المالك الطعام بين يدي الإنسان في إباحة الأكل بل لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن المالك وهو أحد أقوال في المسألة.
{وَمَا ظَلَمُونَا} عطف على محذوف أي فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر أو فظلموا بأن كفروا هذه النعم وما ظلمونا بذلك، ويجوز كما في البحر أن لا يقدر محذوف لأنه قد صدر منهم ارتكاب قبائح من اتخاذ العجل إلهًا، وسؤال رؤيته تعالى ظلمًا وغير ذلك فجاء قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا} بجملة منفية تدل على أن ما وقع منهم من تلك القبائح لم يصل إلينا منها نقص ولا ضرر، وفي هذا دليل على أنه ليس من شرط نفي الشيء عن الشيء إمكان وقوعه لأن ظلم الإنسان لله تعالى لا يمكن وقوعه ألبتة.
{ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفران أو بما فعلوا إذ لا يتخطاهم ضرره، وتقديم المفعول للدلالة على القصر الذي يقتضيه النفي السابق، وفيه ضرب تهكم بهم، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على تماديهم في الظلم واستمرارهم عليه، وفي ذكر {أنفسهم} بجمع القلة تحقير لهم وتقليل، والنفس العاصية أقل من كل قليل.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)}
{وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية} منصوبة على الظرفية عند سيبويه، والمفعولية عند الأخفش، والظاهر أن الأمر بالدخول على لسان موسى عليه السلام كالأوامر السابقة واللاحقة والقرية بفتح القاف والكسر لغة أهل اليمن المدينة من قريت إذا جمعت سميت بذلك لأنها تجمع الناس على طريقة المساكنة، وقيل: إن قلوا قيل لها: قرية، وإن كثروا قيل لها مدينة، وأنهى بعضهم حدّ القلة إلى ثلاثة، والجمع القرى على غير قياس، وقياس أمثاله فعال كظبية وظباء وفي المراد بها هنا خلاف جمّ والمشهور عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة والسدي، والربيع، وغيرهم وإليه ذهب الجمهور أنها بيت المقدس، وقد كان هذا الأمر بعد التيه والتحير وهو أمر إباحة يدل عليه عطف {فَكُلُواْ} إلخ وهو غير الأمر المذكور بقوله تعالى: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم فَتَنْقَلِبُوا خاسرين} [المائدة: 21] لأنه كان قبل ذلك وهو أمر تكليف كما يدل عليه عطف النهي، ومنهم من زعم اتحادهما، وجعل هذا الأمر أيضًا للتكليف. وحمل تبديل الأمر على عدم امتثاله بناء على أنه لم يدخلوا القدس في حياة موسى عليه السلام، ومنهم من ادّعى اختلافهما لكنه زعم أن ما هنا كان بعد التيه على لسان يوشع لا على لسان موسى عليهما السلام لأنه وأخاه هرون ماتا في التيه وفتح يوشع مع بني إسرائيل أرض الشام بعد موته عليه السلام بثلاثة أشهر، ومنهم من قال الأمر في التيه بالدخول بعد الخروج عنه ولا يخفى ما في كل، فالأظهر ما ذكرنا. وقد روي أن موسى عليه السلام سار بعد الخروج من التيه بمن بقي من بني إسرائيل إلى أريحاء وهي بأرض القدس وكان يوشع بن نون على مقدمته ففتحها وأقام بها ما شاء الله تعالى ثم قبض، وكأنهم أمروا بعد الفتح بالدخول على وجه الإقامة والسكنى كما يشير إليه قوله تعالى: {فَكُلُواْ} إلخ، وقوله تعالى في الأعراف (161): {اسكنوا هذه القرية} ويؤكد كونه بعد الفتح الإشارة بلفظ القريب، والقول بأنها نزلت منزلة القريب ترويجًا للأمر بعيد، ولا ينافي هذا ما مر من أنه مات في التيه لأن المراد به المفازة لا التيه مصدر تاه يتيه تيهًا بالكسر والفتح وتيهانًا إذا ذهب متحيرًا فليفهم.
{رغدًا} على أنهم مرخصون بالأكل منها واسعًا وليس عليهم القناعة لسد الجوعة، ويحتمل أن يكون وعدًا لهم بكثرة المحصولات وعدم الغلاء، وأخر هذه المنصوب هنا مع تقديمه في آية آدم عليه السلام قبل لمناسبة الفاصلة في قوله تعالى: {وادخلوا الباب سُجَّدًا} والخلاف في نصب {الباب} {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} أي واسعًا هنيئًا ونصبه على المصدرية أو الحالية من ضمير المخاطبين، وفي الكلام إشارة إلى حلّ جميع مواضعها لهم، أو الإذن بنقل حاصلها إلى أي موضع شاءوا مع دلالة {رغدًا} على أنهم مرخصون بالأكل منها واسعًا وليس عليهم القناعة لسد الجوعة، ويحتمل أن يكون وعدًا لهم بكثرة المحصولات وعدم الغلاء، وأخر هذه المنصوب هنا مع تقديمه في آية آدم عليه السلام قبل لمناسبة الفاصلة في قوله تعالى: {وادخلوا الباب سُجَّدًا} والخلاف في نصب {الباب} في نصب {هذه القرية} والمراد بها على المشهور أحد أبواب بيت القدس، وتدعى الآن باب حطة قاله ابن عباس، وقيل: الباب الثامن من أبوابه، ويدعي الآن باب التوبة وعليه مجاهد وزعم بعضهم أنها باب القبة التي كانت لموسى وهرون عليهما السلام يتعبدان فيها، وجعلت قبلة لبني إسرائيل في التيه، وفي وصفها أمور غريبة في القصص لا يعلمها إلا الله تعالى.
و {سجدًا} حال من ضمير {أَدْخِلُواْ} والمراد خضعًا متواضعين لأن اللائق بحال المذنب التائب والمطيع الموافق الخشوع والمسكنة، ويجوز حمل السجود على المعنى الشرعي، والحال مقارنة أو مقدرة، ويؤيد الثاني ما روي عن وهب في معنى الآية إذا دخلتموه فاسجدوا شكرًا لله أي على ما أنعم عليكم حيث أخرجكم من التيه ونصركم على من كنتم منه تخافون وأعادكم إلى ما تحبون وقول الزمخشري أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرًا لله تعالى وتواضعًا لم نقف على ما يدل عليه من كتاب وسنة، وفسر ابن عباس السجود هنا بالركوع، وبعضهم بالتطامن والانحناء قالوا: وأمروا بذلك لأن الباب كان صغيرًا ضيقًا يحتاج الداخل فيه إلى انحناء، وفي الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سُجَّدًا} فدخلوا يزحفون على أستاهمم».
{وَقُولُواْ حِطَّةٌ} أي مسالتنا، أو شأنك يا ربنا أن تحط عنا ذنوبنا، وهي فعلة من الحط كالجلسة، وذكر أبان أنها عنى التوبة وأنشد:
فاز بالحطة التي جعل اللـ ** ـه بها ذنب عبده مغفورًا

والحق أن تفسيرها بذلك تفسير باللازم، ومن البعيد قول أبي مسلم: إن المعنى أمرنا حطة أي أن نحط في هذه القرية ونقيم بها لعدم ظهور تعلق الغفران به وترتب التبديل عليه إلا أن يقال كانوا مأمورين بهذا القول عند الحط في القرية لمجرد التعبد، وحين لم يعرفوا وجه الحكمة بدلوه، وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب عنى حط عنا ذنوبنا {حطة} أو نسألك ذلك، ويجوز أن يكون النصب على المفعولية لقولوا أي قولوا هذه الكلمة بعينها وهو المروي عن ابن عباس ومفعول القول عند أهل اللغة يكون مفردًا إذا أريد به لفظه ولا عبرة بما في البحر من المنع إلا أنه يبعد هذا إن هذه اللفظة عربية وهم ما كانوا يتكلمون بها، ولأن الظاهر أنهم أمروا أن يقولوا قولًا دالًا على التوبة والندم حتى لو قالوا اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك لكان المقصود حاصلًا ولا تتوقف التوبة على ذكر لفظة بعينها، ولهذا قيل: الأوجه في كونها مفعولًا لقولوا أن يراد قولوا أمرًا حاطًا لذنوبكم من الاستغفار، وحينئذ يزول عن هذا الوجه الغبار، ثم هذه اللفظة على جميع التقادير عربية معلومة الاشتقاق، والمعنى وهو الظاهر المسموع، وقال الأصم: هي من ألفاظ أهل الكتاب لا نعرف معناها في العربية.
وذكر عكرمة إن معناها لا إله إلا الله وهو من الغرابة كان.
{نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} بدخولكم الباب سجدًا وقولكم حطة. والخطايا أصلها خطايئ بياء بعد ألف ثم همزة فأبدلت الياء عند سيبويه الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان وأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفًا، وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء، وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل بها ما ذكر، وقرأ نافع {يَغْفِرُ} بالياء وابن عامر بالتاء على البناء للمجهول، والباقون بالنون والبناء للمعلوم وهو الجاري على نظام ما قبله وما بعده ولم يقرأ أحد من السبعة إلا بلفظ {خطاياكم} وأمالها الكسائي، وقرأ الجحدري وقتادة {تَغْفِرْ} بضم التاء، وأفرد الخطيئة وقرأ الجمهور بإظهار الراء من {يَغْفِرُ} عند اللام وأدغمها قوم، قالوا: وهو ضعيف.
{وَسَنَزِيدُ المحسنين} معطوف على جملة {قُولُواْ حِطَّةٌ} وذكر أنه عطف على الجواب، ولم ينجزم لأن السين تمنع الجزاء عن قبول الجزم، وفي إبرازه في تلك الصورة دون تردد دليل على أن المحسن يفعل ذلك ألبتة، وفي الكلام صفة الجمع مع التفريق، فإن {قُولُواْ حِطَّةٌ} جمع، و{نَّغْفِرْ لَكُمْ} و{سَنَزِيدُ} تفريق، والمفعول محذوف، أي ثوابًا.